Distinguished Visitor Programme (DVP) 2015 – Speech by Grand Mufti of Egypt Sheikh Dr Shawki Allam (Arabic & English translation)

THE FOURTH DISTINGUISHED VISITOR PROGRAMME (DVP) 2015 ON MONDAY, 26 JANUARY 2015

كلمة فضيلة المفتي في سنغافورة

الحمد هلل رب العالمين، حمدًا يليق بجالل وجهك وعظيم سلطانك، وصالة

وسالمًا على نبي الرحمة محمد صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم، الذي أرسله

اهلل تعالى رحمة وهداية للعالمين، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إَِّلا رَحْمَةً

لِلْعَالَمِينَ}، وأشهد أن َّل إله إَّل اهلل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

                                 وبعد،،،

معالي الوزير يعقوب إبراهيمالعلماء اأفاضل

 

الحفل الكريم

 

السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته

بداية اسمحوا لي أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لدولة سنغافورة حكومة

وشعبًا على هذه الدعوة الكريمة، وأخص بالشكر معالي الوزير يعقوب إبراهيم

 

وجميع القيادات اإلسالمية في دولة سنغافورة، التي ن كن لها كل اَّلحترام،

ونتطلع للتعاون مع شعبها الكريم فيما فيه المصلحة المشتركة والخير لشعبيْنا

بإذن اهلل.

 

أيها الجمع الكريم سالم اهلل عليكم ورحمته وبركاته.

إن رسالة اإلسالم قد جاءت عالمية لم تتوقف عند حدود مكة أو العرب فقط

بل شملت العالم كله، تصديقًا لقول اهلل تعالى: {تَ بَارَكَ الاذِي نَ زالَ الْفرْقَانَ عَلَى

عَبْدِهِ لِيَكونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}، واستطاع من خالل هذه العالمية استيعاب

الحضارات واأمم القديمة، بما تحويه من ثقافات متنوعة وأديان متعددة

وأعراف مختلفة، والتي تأكدت في آيات الذكر الحكيم، مثل قوله تعالى:

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إَِّلا كَافاةً لِلنااسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}، وقال صلى اهلل عليه وسلم:"إِنا

اللاهَ عَزا وَجَلا بَ عَثَنِي رَحْمَةً لِلنااسِ كَافاةً"، ولذلك فبعد صلح الحديبية أرسل

الرسول صلى اهلل عليه وسلم رسائله إلى كل الدنيا ملوكًا وشعوبًا متطلعًا في

ذلك إلى نشر دعوة اإلسالم في ربوع العالم، وقد كانت دعوته آنذاك بما

يتناسب مع مقتضى العصر ومتطلبات الواقع، وبما َّل يضع من مكانة اإلسالم

والمسلمين بين شعوب اأرض، وإنما هو عِزٌ في لِينٍ وقوة مع نور ورحمة

للعالمين، وإن رسالة المسلم كما بينها القرآن الكريم تتمثل في الوسطية

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكمْ أماةً وَسَطًا لِتَكون وا شهَدَاءَ عَلَى النااسِ وَيَكونَ الراسول عَلَيْكمْ

شَهِيدًا.}

ولننظر إلى التاريخ اإلسالمي وسنرى أنه حيثما وجِد اإلسالم واإليمان الحقيقي

في وطن من اأوطان، وجدت معه الرفاهية والرخاء والرحمة في كل شئون

 

البشر، ويتجلى هذا إذا قارنا الجزيرة العربية أو غرب إفريقيا أو إندونيسيا أو

الهند قبل وبعد اإلسالم، وحيثما درت ببصرك، ستجد أن اإليمان قد أضفى

على هذه اأمم مسحة من الجمال والسماحة، وكل دولة كانت تحت الحكم

اإلسالمي مرت بما يسمى بالعصر الذهبي، وَّل يدخل اإليمان قلبًا إَّل زيانه،

والشعب المؤمن َّل يتقدم في مجتمع إَّل وهو ي جمل هذا المجتمع، ونحن َّل

نعني بالجمال الثقافي منه كالفن والمعمار والموسيقى والشعر فقط، وإنما

نتحدث عن السلوك واأخالق.

 

 لذا فإن اإليمان الحقيقي هو أن تعيش وتدع اآلخرين يعيشون كآدميين

متحضرين، يقول النبي صلى اهلل عليه وسلم: "إنما بعثت أتمم مكارم

اأخالق". لقد كان القصد من مبعثه هو تحسين السلوك اإلنساني وتعزيز

الخلق القويم، وقد كانت بعثته للناس كافة وليس للعرب خاصة، وهو أسوتنا

الحسنة، إن علينا أن نسعى حثيثًا لرخاء المجتمع الذي نعيش فيه، علينا أن

نحسن أوضاعنا وقيمنا اأخالقية داخلنا ثم نعمم هذا اإلصالح اأخالقي على

أسرنا ومجتمعاتنا، وعليه يجب أن نساعد في إعادة تقويم البوصلة اأخالقية،

وفي وضع أجندة أخالقية جديدة.

ومن اأهمية بمكان أن نبدي احترامنا للناس جميعًا، فاإلسالم ينهى عن

اَّلعتداء على من َّل يعتدي علينا، ويحرم أيضًا السرقة والغش والتدليس سواء

ما يتعلق منها بغير المسلم أو بمسلم، فما َّل يجوز لك أن تفعله بمسلم، َّل

يجوز لك أن تفعله بغير المسلم، مصداقًا لقول الرسول: "َّل يؤمن أحدكم

حتى يحب أخيه ما يحب لنفسه". وقد ذكر اإلمام ابن رجب الحنبلي وغيره

 

أن "اأخ" هنا َّل تنصرف فقط "إلى المسلم ولكن يدخل فيها كل ما يندرج

تحت المعنى اأوسع لألخوة ليشمل جميع بني آدم، فهي إخوة من جهة أننا

جميعًا من أب واحد هو آدم. مثل هذه الحقيقة تؤدي بنا إلى إدراك أن هناك

روابط- ولو من بعيد- تربط البشر عن بكرة أبيهم، وأن علينا أن نعاملهم كما

نعامل المسلمين.

أجل هذا يقول اهلل سبحانه في كتابه: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة

والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ومعنى هذا أن نتجنب المراء

والقسوة في الحوار فال نسيء وَّل نتجاوز مع من نحاور، وأن نحاورهم بسبل

هدفها الوصول إلى الحق واحترامه، ولذا علينا أن نكون دعاة سالم.

 

وينبغي علينا أيضًا أن نكون مواطنين صالحين؛ أن المؤمن الحق َّل بد أن

يكون بالضرورة مؤمنًا حقًا وصالحًا في المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا َّل

يعني أن نفقد هويتنا كمسلمين ونذوب كليةً في المجتمع الذي نمثل فيه

أقلية.. أنا َّل أدعو أبدًا إلى ذلك، علينا أن نتمسك بما يميزنا كمجتمع،

وعلينا في الوقت ذاته أن ندرك أن هناك أشياء أخرى ليست خاصة بنا ولكنها

أشياء عامة يشترك فيها عامة البشر، وليس لنا أن نتجاهلها أو نهملها، ومن

الواجب أن نتمسك بجذورنا، فنحن عندنا إيمان راسخ في نفوسنا، وفي

الوقت ذاته، ينبغي أن ننفتح على اآلخر حتى يرى هذا العمق اإليماني.

أضف إلى ذلك ضرورة التصديق بأن خلق اهلل عز وجل مبني على التنوع،

ويتجلى هذا التنوع في األوان التي يظهر فيها الخلق من حولنا. إن اهلل لم

يخلق نوعًا واحدًا من الشجر، وَّل صنفًا واحدًا من الحيوانات، فخلق اهلل مبني

 

على التنوع، حتى البشر مختلفون في لغاتهم وألوانهم، وأديانهم وتوجهاتهم،

وكل هذا لحكمة، فالخالق سبحانه وتعالى شاء أن يكون خلقه على هذا

النحو، فهو يقول سبحانه: {وَّل يزالون مختلفين إَّل من رحم ربك ولذلك

خلقهم} أي أن اهلل خلقنا لالختالف، وخلقنا ليظهر لنا رحمته بنا، وهذا تحد

كبير وعلينا أن نصمد أمام هذا التحدي.

 

ولقد أرسى اإلسالم قواعد وأسسًا للتعايش مع اآلخر في جميع اأحوال

واأزمان واأماكن، بحيث يصبح المسلمون في تناسق واندماج مع العالم

الذي يعيشون فيه، بما يضمن تفاعلهم مع اآلخر وتواصلهم معه دون تفريط

في الثوابت اإلسالمية، وعلى نهج تلك اأسس ووفق هذه الثوابت يمضي

المسلمون قدمًا في رسم الحضارة اإلسالمية لمعايشة المستجدات التي تطرأ

عبر التاريخ، كما يظل الرسول صلى اهلل عليه وسلم اأسوة الحسنة والقدوة

الطيبة في كل شيء، مصداقًا لقول اهلل تعالى: {لقَدْ كَانَ لَكمْ فِي رَسولِ اللاهِ

أسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَ رْجو اللاهَ وَالْيَ وْمَ اآلْخِرَ}، وقد ترك رسول اهلل صلى اهلل

عليه وسلم لنا نماذج للتعايش مع اآلخر داخل الدولة اإلسالمية وخارجها.

 

وحينما نتحدث عن الجاليات اإلسالمية ودورها في البالد غير المسلمة وفي

غيرها من بلدان العالم َّل ينبغي أن ننسى أن اإلسالم دعا المسلمين إلى

المشاركة والتعاون مع المجتمعات التي يعيشون فيها، حتى ولو كانت غير

مسلمة، وأَّل يكونوا جماعات منغلقة على نفسها َّل تتصل وَّل تتواصل مع

غيرهم من أهل البالد التي يعيشون فيها، لئال ينفر منهم اآلخر وَّل ينبذهم،

قال تعالى:{َّل يَ نْ هَاكم اللاه عَنِ الاذِينَ لَمْ ي قَاتِل وكمْ فِي الدينِ وَلَمْ ي خْرِجوكمْ مِنْ

 

دِيَاركِمْ أَنْ تَ بَ رُّوهمْ وَت قْسِط وا إِلَيْهِمْ إِنا اللاهَ ي حِبُّ الْمقْسِطِينَ}، قال الكواشي: 

إنها نزلت رخصة في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم ي قاتلوهم، ومنه قول

رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أم المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها حين ردت

على اليهود قولهم "السام عليكم" فقال: "مَهْالً يَا عَائِشَة، إنا اهلل ي حب الرفق

في اأمر كله".

وفي التاريخ اإلسالمي نماذج رائعة للتعايش السلمي مع اآلخر، قد طبقه

المسلمون اأوائل حين هاجروا إلى الحبشة هربًا من اضطهاد مشركي مكة،

فاندمجوا في المجتمع وتعاملوا مع اأحباش، وتاجروا معهم، وأخذوا وأعطوا،

بل لقد دعوا اهلل تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه وَالتّمْكِينِ لَه فِي بِالدِهِ، 

وفرحوا بنصرته، وتذكر بعض الروايات أن المسلمين قد تعاونوا مع النجاشي

في حربه مع عدوه، ولعلهم رأوا في ذلك نصرة للحق وردًا للمعروف، فقد

روي أن جَعْفَر بن أبي طالب رَضِيَ اللاه عَنْه قَاتَلَ بِالْحَبَشَةِ مَعَ الْعَدو الاذِي كَانَ

قَصَدَ الناجَاشِيا، وَإِنامَا فَ عَلَ ذَلِكَ؛ أَِناه لَماا كَانَ مَعَ الْمسْلِمِينَ يَ وْمئِذٍ آمِنًا عِنْدَ

الناجَاشِي فَكَانَ يَخَاف عَلَى نَ فْسِهِ وَعَلَى الْمسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِهِ، فَ عَرَفْ نَا أَناه َّل

بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ الْخَوْفِ، كما روي أن الزبير بن العوام رضي اهلل عنه قاتل مع

النجاشي عدوًا له، فأعطاه العنزة التي صارت إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه

وسلم.

 

فهذا النموذج الذي يكون فيه المسلمون أقلية تعيش في مناخ من اأمن

والعدل والحرية في ظل دولة غير إسالمية يحتاج فيه المسلمون إلى أن

يتمسكوا بالسيرة العطرة لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ويطبقوها في واقعهم

 

الذي يعيشونه، ليهتدوا به في تعاملهم مع اأمم التي يعيشون فيها، غير

مفرطين في ثوابت الدين وأصوله.

كما أرسى اإلسالم مبادئ التعايش السلمي وأسس الوئام والعدل والتسامح

في التعامل مع غير المسلمين في ظل المجتمع اإلسالمي، فالدولة اإلسالمية

قامت على أساس المواطنة دون تمييز بالدين أو العرق، واإلسالم جاء إلحقاق

الحق، وإقامة العدل، وإرساء قواعده، وإخراج اإلنسان عن الظلم، فالعدل

يمثل دعامة وطيدة وصفة أصيلة للشريعة اإلسالمية؛ حيث أمرت أن يكون

الحكم بالعدل، ولو على المخالف، فقال تعالى: {وَّل يجرمنكم شنآن قوم

على أَّلا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}، بل يجب تحري العدل ولو كان

ضد النفس، حيث يقول سبحانه: {يَا أَيُّ هَا الاذِينَ آمَن وا كون وا قَ واامِينَ بِالْقِسْطِ

شهَدَاءَ لِلاهِ وَلَوْ عَلَى أَنْ فسِكمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَاأَقْ رَبِينَ}، وفي ذلك يقول الرسول

صلى اهلل عليه وسلم: "وَايْم اللاهِ لَوْ سَرَقَتْ فَاطِمَة بِنْت محَمادٍ لَقَطَعْت يَدَهَا".

 

كما أكد اإلسالم على أن المساواة سمة من سماته، وأصل من أصوله، فهو

يقرر أن الناس سواسية، وفي ظله تتالشى الفوارق، وتزول كل اَّلعتبارات عدا

التقوى، فال تفاضل بينهم في إنسانيتهم، قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

في خطبة الوداع: "يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، أَّل َّل

فضل لعربي على عجمي، وَّل لعجمي على عربي، وَّل أحمر على

أسود، وَّل أسود على أحمر إَّل بالتقوى، إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم".

 

ومن تأكيد اإلسالم على قيمة العدل وترسيخ المساواة بين المسلمين وغير

المسلمين، أن أنزل اهلل عز وجل قرآنًا في واقعة تبين مدى عدالة اإلسالم

 

وحسن معاملته لآخر، فحين حاول بعض الصحابة في عهد رسول اهلل صلى

اهلل عليه وسلم أن يتستر على سارق مسلم، وأن ي فَوتَ العقابَ عليه، وأن

ي قَدمَ شخصًا آخر يهوديًا ليعاقب مكانه، أنزل اهلل ثماني آيات في سورة

النساء تدافع عن حق اليهودي، وتحث على إظهار العدالة، فقال تعالى: {إِناا

أَنْ زَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَق لِتَحْكمَ بَ يْنَ النااسِ بِمَا أَرَاكَ اللاه وََّل تَكنْ لِلْخَائِنِين

َ خَصِيمًا} إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثما يَ رْمِ بِهِ بَرِيئًا فَ قَد

احْتَمَلَ ب هْتَانًا وَإِثْمًا مبِينًا}، وهذه الواقعة- بثبوتها في القرآن وبيانها في السيرة

والسُّناة النبوية- مثالٌ صريح وتطبيق قاطع لقيمتي العدل والمساواة في

اإلسالم، وهي مما يساعد في نشر وتعميق روح المواطنة بين أبناء الوطن

الواحد؛ إذ اإلنسان دائمًا يسعى إلى اإلنصاف والعدالة والمساواة، ويرغب في

أن يحيا في ظل دولة تحقق تلك القيم النبيلة بين فئات المجتمع وطوائفه.

 

إذًا يجب أن يكون دافع المسلمين هو مبدأ العيش المشترك، والعيش معًا في

وئام، َّل أن يكون تحويل غير المسلمين إلى اإلسالم فاهلل تعالى يقول: {َّل

إكراه في الدين..} ليس حتمًا أن ينتهي الحوار بين اأديان بغالب ومغلوب،

وَّل ينبغي أن يكون الغرض من الحوار إدخال اآلخرين إلى اإلسالم، وإنما

لمشاركتهم قيمه ومبادئه.. يقول تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء

فليؤمن ومن شاء فليكفر} مما يؤكد حقيقة هامة وهي أن هذه اأمور موكولة

لقدرة اهلل وليس للبشر من اأمر شيء.

وثمة أمر آخر من الضروري تذكره وهو وسطية اإلسالم، إننا كمسلمين نقع

موقعًا وسطًا بين المفراطين والمفرطين، يقول النبي صلى اهلل عليه وسلم:

"هلك المتنطعون" والتنطع هو التطرف، ويقول: "إياكم والغلو في الدين"

فالنبي يحذر من الغلو الذي كرهه، ويالحظ على التطرف أنه يتسبب في أن

يفقد المرء عقالنيته فال يستطيع أن يزن اأمور، فبمجرد جنوحك إلى التطرف

فلن يمكنك وزن اأمور أنك بعدت عن الوسط، وتظن أن ما تفعله هو

الصحيح في حين يخطئك اآلخرون.

وهنا تبرز أهمية أن توزن اأمور بميزان الشرع الحنيف وبفهم بشري وسطي

ذي طبيعة متوازنة، وهذا يعني أن علينا أَّل نخاف، وأَّل نعتدي، أو بمعنى

آخر، يجدر بنا أَّل نكون جبناء وأَّل نتطرف ونجنح إلى أقصى الجانب

المقابل، ومثال ذلك أولئك الناس الذين يقتلون اأبرياء ويرتكبون أفعاَّلً أبعد

ما تكون عن تعاليم الدين، والنتيجة أنهم يكونون في نهاية اأمر صورة مشوهة

عن اإلسالم تجعل الناس ينبذون اإلسالم وينفرون منه، وكما يقول النبي صلى

اهلل عليه وسلم: "خير اأمور أوسطها".

ومن اأهمية بمكان أيضًا أن نحترم قوانين البالد التي نعيش فيها، َّلعتبارات

عدة أهمها أن "المسلم َّل يذل نفسه". إنك تعيش بين ظهراني قوم يحترمون

القوانين التي إن انتهكتها صرت مجرمًا وستحاكم وتودع السجن، وستعرض

نفسك للمهانة، ومن الضروري كذلك أن تعرف أن لجارك حقوقاً عليك، وهذا

يشمل المسلم وغير المسلم، وهناك العديد من اأمثلة على ذلك، ولكني

سأذكر قصة اإلمام أبي حنيفة المعروف باإلمام اأعظم مع أحد جيرانه، فقد

عرف أبو حنيفة بأنه كان يصلي التهجد كل ليلة، وكان يقضي ليله في قراءة

القرآن، لكن جارًا له سكيرًا كان يقضي الليل شربًا وغناءً فاحشًا، اأمر الذي

كان يزعج اإلمام، وفي ليلة من الليالي لم يسمع اإلمام الصخب الذي اعتاد

على سماعه من جاره، فسأل عنه وعرف أنه اقتيد إلى السجن، فذهب لزيارته

في السجن. وعندما علم الحاكم بنبإ زيارة اإلمام للسجن، سأل عن سببها،

وقيل له إن أبا حنيفة كان مهتمًا بأمر سجن جاره، وأطلق سراح الرجل بناء

على أمر الحاكم، وعندما سأل الجار اإلمام عن سر صنيعه، قال له: "إن لك

عليا حقًا وما كنت أتنكر لهذا الحق" وكان هذا سببًا في توبة الجار وعودته

إلى اهلل سبحانه وتعالى.

إن علينا أن نمد يد الصداقة لجيراننا وأن ندعوهم لبيوتنا ومساجدنا، وعلينا

كما قلت آنفًا- أن ندعم المبادرات التي تعزز من رفاهية المجتمع.. علينا أن

نعرف كيف يمكننا مساعدة الجمعيات الخيرية المحلية، والجماعات

التطوعية، ولندخل في شراكات معها. علينا أن نمد يد العون حيثما وجدت

جرائم الشباب، أو تعاطي المخدرات، أو اَّلنهيار اأسري، وحيثما وجد فقر

أو تشرد.. تلك هي سنة النبي محمد صلى اهلل عليه وسلم الذي يقول في

حديثه: "أفشوا السالم، وأطعموا الطعام، وصلوا في الليل والناس نيام تدخلوا

الجنة بسالم.. كانت هذه هي رسالته اأولى ساعة دخوله المدينة المنورة بعد

رحلة الهجرة إلى المدينة.

 

وبالنسبة للحوار مع اآلخر، وما يشهده العالم اليوم من أحداث عضال

ونزاعات فإنني من وجهة نظري أود القول بأنه يجب أَّل نسمح أنفسنا

بالتسليم بحتمية وجود مسار ينتهي ب " صراع الحضارات"، ومن واجبنا، أيضًا،

أن نتفاعل مع توترات العالم تفاعالً استباقيًا من خالل العمل الدءوب

والمنهجي على نزع فتيلها؛ حتى يحل اَّلستقرار محل اَّلضطراب، والعداء

محل الود؛ أننا نقدم المبادئ اإلنسانية العليا التي يجب أن نلتف حولها

جميعًا، والتي تتمثل في حفظ النفس البشرية والعمل على حماية وجودها

وعقلها وحريتها، والمطلوب- من المنظور اإلسالمي- لتحقيق هذه الغايات

هو فهم لطبيعة الحوار مع اآلخر والغرض منه فهمًا مناسباً، وجهد واعٍ إلعادة

بناء الثقة بين اأطراف المختلفة، واكتشاف للقواسم المشتركة. هذه اأهداف

هي جزء َّل يتجزأ من فلسفة أكبر للحوار قائمة على التعاليم اإلسالمية

الصحيحة من أجل مستقبل للعالم الذي يجمع بين كل الثقافات والحضارات

في وئام.

ولو عاد المسلمون إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم لوجدوا أن واجبهم هو الحوار

َّل التناحر؛ فاأول محاولة َّلستكشاف اآلخر والتعرف على طرق تفكيره حتى

نصحح ما علق في أذهاننا من تصورات مغلوطة عنه ونصل معه إلى اأرضية

المشتركة التي تكون أساسًا للتعاون المتبادل، والحقيقة أن الحوار هو لون من

ألوان الجهاد بمعناه الوسيع في التصور اإلسالمي، وإذا كان القرآن والسنة قد

ألقيا الضوء على قيمة الحوار فإن تاريخ المسلمين يشهد على أهمية وقيمة

الحوار في التراث اإلسالمي.

إن بناء الثقة بين الناس أمر حتمي أي حوار بين اأديان أو الثقافات، ووجهة

النظر اإلسالمية- والتي تتفق مع وجهات كثير من اأديان- هي أن ثمة

صورتين هامتين للثقة أولهما: ثقة البشر بربهم واعتمادهم عليه ثم اإليمان

بالقدر، ومع ذلك َّل يعني إيمان المرء باهلل إهماله لقوانين الكون التي تنظم

 

وجودنا فيه، ومن ثم فمن اأهمية بمكان إقامة عالقات حياتية قائمة على

الثقة والتعاون والتفاهم.

وإن السعي لتحقيق التفاهم وبناء الثقة التي تشكل أساس أي حوار عملية

تتطلب شركاء متكافئين في الرغبة من كال الطرفين، والعالم أحوج ما يكون إلى

منتديات تعين على حوارٍ حقيقي نابع من اَّلعتراف بالهويات والخصوصيات،

الحوار الذي يظل محترمًا وَّل يسعى لتأجيج نيران العداوة والبغضاء أو فرض

الهيمنة على اآلخر؛ الحور القائم على أساس التعددية الدينية والتنوع الثقافي،

الحوار الذي أبدًا َّل ينقلب إلى حديث أحادي، وبالتالي فهو من وجهة نظري

ليس سعيًا إللحاق الهزيمة بالمخالف بقدر ما هو محاولة لفهمه وسبر أغواره،

وقد خلقنا اهلل شعوبًا وقبائل ليتعرف بعضنا على بعض كما جاء في القرآن.

كما أن من المفيد أن نضع نصب أعيننا أن الحوار َّل يجب أن يكون مقصورًا

على النخب اأكاديمية التخصصية فحسب؛ أن الحوار على هذا النحو

سيكون غير ذي جدوى وربما كانت له آثار عكسية؛ ذلك أن الغاية اأسمى

من الحوار هي بناء جسور التفاهم بين الشعوب ذوي الحضارات المختلفة،

ومن ثم فال بد من ممارسة الحوار وتطبيقه َّل أن يظل حبيس الجدران في

القاعات والمؤتمرات، وَّل بد أن يساعد الحوار عامة الناس في كشف

الغموض الذي يكتنف اَّلختالفات الدينية، وفي فهم الحكمة اإللهية من

التنوع الديني.

ويجدر بي القول بأن مشروع إعادة بناء عالم يسوده الوئام والتعاون هو طريق

ذو اتجاهين؛ اأمر الذي يتطلب تضافر جهود جميع اأطراف، وهذا هو

السبب في أن تصاعد ظاهرة الخوف من المسلمين في الغرب وترقي سدنة

هذه الظاهرة إلى مناصب رفيعة أمر مثير للقلق، كما أن التصرفات الهوجاء

بحق اإلسالم والمسلمين وعدم الرغبة في فهمهم َّل تعوق فقط الجهود الرامية

إلى إجراء حوار حقيقي، بل إنها تقتلها في مهدها أصالً.

وأخيرًا َّل بد أن يكون المسلم في أي مكان قدوة لغيره متأسيًا في ذلك بالنبي

صلى اهلل عليه وسلم؛ فاَّلقتداء به أساس اَّلهتداء، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكمْ
ف
ِي رَسولِ اللاهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَ رْجو اللاهَ وَالْيَ وْمَ اآلْخِرَ وَذَكَرَ اللاهَ كَثِيراً}،

قال ابن كثير: "هذه اآلية أصل كبير في التأسي برسول اهلل صلى اهلل عليه

 وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمِرَ الناس بالتأسي به صلى اهلل عليه

وسلم يوم اأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من

ربه- عز وجل- فمنهج اإلسالم يحتاج إلى بشر يحمله ويترجمه بسلوكه

وتصرفاته، فيحوله إلى واقع عملي محسوس وملموس، ولذلك بعثه صلى اهلل

عليه وسلم بعد أن وضع في شخصيته الصورة الكاملة للمنهج؛ ليترجم هذا

المنهج ويكون خير قدوة للبشرية جمعاء في كل بقاع العالم.

 

                                                       أشكر لكم حسن استماعكم

 

                                                   والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.

 

 

PDF icon DVP2015 - The Muis Lecture - Speech by Sheikh Dr Shawki Allam_Arabic (PDF, 215KB)